الأسئلة والأجوبة
التاريخ والسيرة / حضارتنا وحضارتهم

*تمتاز الحضارة الغربية عن الحضارة الإسلامية في أنها أي الحضارة الغربية حضارة «تعاقبية» من طور يأخذ من سابقه بعض الأفكار ويكمل الباقي، بينما الحضارة الإسلامية تمتاز بأنها حضارة «اشعاعية» تنطلق من مركز واحد فما الفرق بين هذين الاتجاهين في بلورة اتجاه فكري يعاصر إشكاليات الضرورة للفكر وإشكالاته؟


 ـ إن هذا التفريق ليس دقيقاً بكل مفرداته لأن الحضارة الغربية تنطلق في الأساس من قاعدة الفكر المادي الذي يجسد اتجاه المفكرين الغربيين بشكل عام أو الفكر العلماني الذي قد لا يكون مادياً ولكنه يعتبر أن مسألة الله ومسألة الدين هي مسألة غريبة عن الواقع ولا دخل للواقع فيها بينما الإسلام يركز على أساس القاعدة الإلهية، يعني الإيمان بوجود الإله في الكون الذي يوحي إلى الناس برسالاته، ويوجههم إلى ما فيه صلاحهم، وما فيه الخير لهم من خلال الأنبياء والرسل وأنزل كتاباً فيه شرائع، {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً}(المائدة:84). لكن لا يعني هذا أن الإسلام عندما ينطلق بهذا الشكل يتجمد على النص. كلا إنه ينطلق من المركز ولكن هذا المركز يعطي الحرية لأن تفكر في كثير من القضايا التي لم يأت فيها نص كما في الكثير من القضايا الاجتماعية والقضايا السياسية فهناك خطوط عامة. ولذلك نجد أن الفلاسفة المسلمين شرقوا وغربوا واحتضنوا فلسفات أخرى واستفادوا منها عندما رأوا أنها لا تتنافى مع الإسلام خطأ أو صواباً. لذلك نجد أن الحضارة الإسلامية انطلقت على أساس التنوع في حركة الإنسان وحركة الإنسان في الواقع، ومن هنا نجد أن كل هذه التراكمات التاريخية العلمية والثقافية تحركت في دائرة الفقه الذي يعتبر أقرب الأشياء إلى النص، ومع ذلك نجد أن الفقهاء يختلفون في المسألة الواحدة فهذا يفهمها بطريقة وذاك يفهمها بطريقة أخرى. لذلك نقول أن النص لا يتحجر، ولا يتجمد، لأن مضمون النص متحرك وآفاق النص متحركة، ومن هنا رأينا أن الحضارة الإسلامية استطاعت أن تفرض نفسها على المساحة التي وصلها الإسلام في العالم بشكل كبير جداً، بل إن الحضارة الغربية من خلال كثير من الدراسات الخاصة هي بنت الحضارة الإسلامية، حتى أن «جواهر لال نهرو» يقول في مذكراته «لمحات من تاريخ العالم» إن الحضارة الإسلامية هي أم الحضارات الحديثة لأنه اعتبر التجربة سبيلاً للمعرفة أخذها الغربيون من الأندلس. ألم يكن الغربيون يقرأون كتب «ابن سينا» ألم يكونوا يقرأون كتب «ابن النفيس»؟ وكتب «الفارابي»؟ لقد كانوا يقرأوون الكثير من الكتب التي أسست لهذه الحركة الثقافية، فالحضارة الإسلامية كانت قد فجرت قوة المسلمين في العالم لأنها قادرة على أن تنتج للإنسان فكراً متنوعاً في أكثر من جانب من جوانب العلم والثقافة ومن حركة الحياة.