*كيف نوفق بين موقف الزهراء(ع) حيث رحلت وهي غاضب على الشيخين ومنـزعجة منهما، وبين موقف عليِّ(ع) حيث بايعهما فهناك من يلتبس عليه الأمر فيرى موقف الزهراء إنجراراً وراء العاطفة وأنها غضبت لذاتها وأن موقف عليٍّ(ع) كان عقلانياً؟
ـ إنّ موقف الزهراء هو موقف عليّ(ع) لقد وقف علي موقفاً سلبيّاً رافضاً كما وقفت الزهراء موقفاً سلبيَّاً رافضاً، ولكن الأحداث تتابعت بعد ذلك، فلماذا وقفت الزهراء موقفاً عاطفياً؟ هل أن عاطفتها استجاشت على الخلافة لعليٍّ أكثر من عاطفة عليٍّ على نفسه؟، إذا كانت الزهراء قد غضبت لذاتها فمعنى ذلك أن زوجها عليّ قد أبعد، وأن الزهراء غضبت أكثر من غضب عليٍّ نفسه، كلاّ إنها وقفت من أجل الحقّ وكذلك علي(ع).
فعندما نقرأ «نهج البلاغة» نجد قوله(ع): «أما والله لقد تقمّصها ابنُ أبي قحافة وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليَّ الطير»، ثم الكلمة الرائعة التي تفسرّ لنا انسجام الإمام علي مع الجو بالرغم من رفضه لشرعيته وذلك في رسالته إلى أهل مصر وهي موجودة في «نهج البلاغة»، وإني لأحب أن يقرأها كل مسلم شيعي حتى يعرف خط عليٍّ(ع) في الواقع الإسلامي عندما تتحرك الفتنة والخلافات والمشاكل فيقول علي(ع): «فما راعني إلا انثيالُ الناس على فلان يبايعونه فأمسكتُ يدي حتى إذا رأيت راجعةَ الناس قد رجعت عن الإسلام يريدون محق دين محمّد(ص) فخشيتُ إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله»، يعني إن بقيت على الموقف السلبي..، الموقف الرافض..، الموقف غير المتعاون..، الموقف غير المتكامل «أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ» لاحظوا كلمة «المصيبة» فإنها تعبر عن مدى إحساسه(ع) بمسؤوليته عن الإسلام «أعظم من فوت ولايتكم هذه التي هي متاع أيام قلائل يزول منها مازال كما يزول السراب فنهضتُ حتى زاح الباطل وزهق، وأطمأن الدين وتنهنه»، أي ارتاح، وكان يقول: «لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة».
عندما رآه (ابن عباس) وهو يخصف نعله وهو أمير المؤمنين اعترض «انبذها عنك، اعطها لبعض الناس» بمعنى أن هذا لا يناسب مقامك كخليفة تعالج نعلك المقطوع بنفسك فقال: «ما قيمة هذه النعل يا ابن عباس، فقال له، لا قيمة لها، فقال علي(ع) فهي والله أعظم من امرتكم هذه إلا أنْ أقيم حقَّاً أو أدفع باطلاً» إن امرتكم تحملني عبئاً فلا تتصوروا أني اعتز بالأمرة بأني صرت خليفة للمسلمين، فهذه النعل تفيدني أكثر من أمرتكم، فهي تقيني من الحر والبرد إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً»، لذلك فإن الإمام علي(ع) كان يتحرك حيث تتحرك مصالح المسلمين وحيث تكون سلامة المسلمين، فنرجو أن نفكر بمستوى الإمام علي(ع) فإن علاقتنا به(ع) ليست السيف الذي ضرب به «عمرو بن عبد ودٍّ» أو الذي قسم به «مرحب» قسمين، إن علي بن أبي طالب(ع) موق وفك وحرك ومنهج وعلينا أن نقرأه، أن نقرأ سيرته، فكره، علمه، أن لا نكون مثل الذين قال لهم: «سلوني قبل أن تفقدوني»، فيقول له أحدهم: كم شعرة في رأسي، إن بعضنا بهذا الشكل غير مُسْتَعِدٍ ليقرأ «نهج البلاغة» وغير مستعدٍ أن يقبل أيّ موقف من مواقف عليٍّ(ع) إذا كان يتنافى مع عصبيَّته، إن الإسلام ليس عصبيةً إنه فك وموق، وعلينا أن نعيش هذا الموقف، وأن نتزود بهذا الفكر.