استرجاع "فدك":
*يقال أنه لو كان لفاطمة الزهراء(ع) حق ب «فدك» لأعاد الإمام علي هذا الحق لأصحابه في زمن خلافته لأنه كان قادراً على ذلك؟
ـ في ذلك الوقت، كان يمكن لعلي أن يرث «فدك» ولم ير مصلحة أن يتدخل في الموضوع إذ ليس هناك مشكلة في من الذي يرث الزهراء(ع) هل ورثها علي أو أولاده فهو يقول» ماذا أصنع بفدك وغير فدك والنفس غداً مضانها جدث» فهو لا يعتبرها قضية فوق العادة، لقد كانت قضية في وقتها من أجل التأكيد على الحق وإلاّ فلا قيمة لها في طبيعتها المادية.
ملكية "فدك":
*ما هي حجة من قال أن ملكية أرض(فدك) ليست لك ـ أي الزهراء ـ(ع)؟
ـ روى «أبو بكر» رواية قال فيها أنه سمع رسول الله يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورَّث، ما تركناه صدقةً»، وهذه الحجة ردها واض فهذا الحديث ليس له مصداق إلا الزهراء، فلم يكنْ هناك وار إلا الزهراء، هل يُعقَلُ مع كل حنان الرسول للزهراء وعاطفته للزهراء أن لا يخبرها بهذا؟ طبعاً لا يعقل، وربما كان النبيُّ(ص) يقصد بفرضيةٍ أن الأنبياء يورثون علماً أنهم لا يملكون شيئاً كالغطاء والفراش، لعلمنا بأنهم(ع) لا يملكون الدرهم ولا الدينار، ولم يرد عندنا غير هذا الحديث في كل تاريخ الأنبياء. إن قضية الزهراء(ع) ذات وجهين، الأول: (فدك) كانت لرسول الله، ونحلها للزهراء(ع) لأنه عندما صالح أهل خيبر أُعطي فدكاً. والثاني: هب أنه أنكر النحلة وأنها ليست كذلك فلا إشكال أنها لرسول الله كملكٍ شخصيِّ، وإذن فإنَّ القضية يمكن أن ينظر إليها على هذا الأساس.
المطالبة ب(فدك):
*من المعروف بأن أهل البيت(ع) لاتهمهم الدنيا وما فيها، فما هو السر الذي جعل السيدة الزهراء(ع) تطالب الخليفة الأول ب (فدك)؟
ـ كانت فدك حقاً للزهراء نحلة وعطية من رسول الله الذي يملك ذلك أو إرثاً منه ولعل من الطبيعي أن تطالب بهذا الحق من دون أن يكون في ذلك إشارة إلى حالة من حالات الاهتمام بالمال فإن مطالبة الإنسان بحقه من خلال حاجاته الطبيعية ومسؤولياته العائلية هو أمر شرعي طبيعي ومحبوب عند الله.. و ربما كانت المطالبة بفدك جسر العبور إلى الخلافة، لأنها إذا انطلقت بفدك كحق لها في الخلافة فإنها تعني الحق الأصيل الذي تكون فدك إحدى مظاهره، ويقال أنّ أحد خلفاء بين العباس قال للإمام الكاظم(ع) إنني مستعد أن أرجع إليك فدكاً فحدّدها، متصوراً أنها المنطقة الموجودة في الحجاز فقال له الإمام: إذا عرّفت لك حدود فدك فإنك لن تعطيني إياها، فقال الخليفة العبّاسي ما حدودها؟ قال له: حدود فدك هي حدود البلاد الإسلامية كلها!
فلقد كانت فدك رمزاً ولم تكن مطلباً، ولذلك قال أمير المؤمنين(ع) «نعم، كانت في أيدينا فدك مما أقّلت الغبراء وأظلّت الخضراء، وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانّها في غدٍ جدث إذ شحّت عليها نفوس قومٍ وسخت عنها نفوس قوم آخرين» لذلك كانت فدك المنطلق ولم تكن الغاية. ويقال أن (ابن أبي الحديد) في شرحه لنهج البلاغة سئل أستاذه: لماذا لم يعط» أبو بكر» فدكاً للزهراء ولو كانت للمسلمين لأعطوها لفاطمة، قال له: لو أعطيت فدك لطالبت بالخلافة لعلي ولذلك رأى أن يقطع الأمر من أول الطريق حتى لا يمتد مطلبها إلى أبعد من ذلك، والله العالم.
كانت قضية الزهراء(ع) قضية الحق حق علي(ع) في الخلافة ولم تكن قضيتها في شخصها وآلامها، وإن كان لها الحق في ذلك كله.
إثارات البوطي:
*سمعنا أخيراً درساً للدكتور البوطي يقول فيه بإنكار الكثير من الروايات والأحاديث والحقائق المذكورة من قبل أمهات كتب الفريقين ومنها أن الزهراء لاحقَّ لها في «فدك» لأن الرسول(ص) قال «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة» إن سيدنا علياً إذا كان معصوماً فإن مبايعته شرعية وليست خطأً لأن المعصوم لا يخطأ؟
ـ نحن نريد لهذه القضايا أن تثار في أجواء علمية موضوعية حتى يمكن الوصول إلى نتيجة موضوعية في هذا المجال، ولكن هناك نقطة لابدّ أن نلاحظها في المسألة الأولى وفي قضية الزهراء(ع) في مطالبتها ب «فدك» وهي أنها أنكرت أن لا يورّث معاشر الأنبياء. فلابد لنا أن نناقش هذه المسألة فلو فرضنا أن هذا الحديث صحيح وهو أن الأنبياء لا يورثون فمن هو الإنسان الذي ينطبق عليه هذا القول: هل هناك غير الزهراء وحدها التي كانت ترث النبي(ص) بالإضافة إلى زوجاته فهل يمكن أن تكون الزهراء(ع) الإنسانة الوحيدة التي ترث النبي بالقرابة وأن لا يكون النبي قد عرّفها ذلك؟ والقضية كما نعلم تتصل بحياتها، وكان النبي يحبها ويقول: »فاطمة بضعة مني» إذ بين النبي والزهراء علاقة فوق العادة، وليس من الطبيعي أن لا يتحدث لها في هذا الموضوع الذي يمسّها.
ونلاحظ أيضاً أن زوجات النبي(ص) لم يذكرن أنهن سمعن من النبي ذلك، وهذا هو الذي يجعلنا نتساءل كيف كان ذلك؟ إن الزهراء هي الصادقة المصدقة ولم تكن مسألة فدك بالنسبة لها مسألة مادية وإنما كانت تمثل عنواناً لكثير من القضايا. ولذلك نقول كما ذكر أمير المؤمنين(ع) في «نهج البلاغة» «نعم كانت بأيدينا فدك مما أقلّت الغبراء وأظلّت الخضراء فشحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين، وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غدٍ جدث!» فليست المسألة هي مسألة اهتمام أهل البيت(ع) بفدك ولكن القضية أن الزهراء كانت تريد إثبات حق.
أما النقطة الثانية في قضية بيعة الإمام فالواقع أن الإمام شرح الموضوع ولقد بقي على رأيه في حقه و لكنه قال «لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلين ولم يكن بها جو إلاّ علي خاصة»، «فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه» فلم تكن القضية تنازلاً عن الحق ولكنها كانت تمثل حماية للإسلام وحفاظاً عليه، وهذا ما يجب أن نتعلمه وأن لا يستغرق كل واحد منا فيما لديه من أفكار ليثير العصبية والأجواء الحادة السلبية. هذه نقطة أساسية وتبقى للمسلمين خلافاتهم التي يجب أن يبحثوها بشكل موضوعي لا بشكل استعراضي أو بشكل حاد أو بشكل عصبي، فذلك لا يفيد الإسلام والمسلمين بل علينا أن نمارس خلافنا في الرأي كما مارسه الأولون، فقد مارسوه فيما لم يكن الاختلاف مضرة للإسلام حتى سارت المسيرة الإسلامية في طريقها المستقيم.