تقييم لموقف علي والحسين(ع):
*تواصلاً مع حديث سابق عن الإمام الحسين(ع) كيف ترى وبصراحة شديدة موقف الحسين وأبيه(ع)، هل مازالت تكتسب نفس الحدّة أم أنها أضحت جزءاً من طوباوية التاريخ؟
ـ إن قصة الحسين(ع) وقصة علي(ع) هي قصة الإنسانية التي يحكمها الزمن، والعناوين التي طرحها علي هي «الحق» بأن ينطلق الإنسان على أساس الحق والحق ليس له حالة معينة وزمن معين، ولكن أساليب الحركة تختلف من زمن إلى آخر وقد مارس علي كل الحروب، وكان يركز الحق بسيفه في غزوات الرسول، وكان يركز الحق بعد وفاة الرسول، في طريقته في التعامل مع الآخرين وفي حماية الواقع الإسلامي كله وكان يركز الحق في سياسته عندما صار خليفة، وإذن فالحق واحد ولكن أساليب حركة الحق في الواقع تخضع للظروف الموضوعية التي قد تتنوع وقد تختلف من مرحلة إلى أخرى والحسين(ع) كان حسنيّاً في زمن الإمام الحسن فعندما وقع الصلح الإمام الحسن(ع) كان الإمام الحسين يدافع عن الإمام الحسن عندما يستنكر أصحابه ذلك.
فالحسين كان حسنياً ولو كان الحسن في زمن الحسين لكان حسّينياً كما أن الحسن قبل أن يصالح كان حسيّنياً، فلو قرأنا الكتب التي كان يكتبها لمعاوية لرأينا روح أبيه في كلماته، إن الثورة، أيّها الأحبة، ليست حركة عنف في الأسلوب، ولكنها حركة عنف في الإستراتيجية... الثورة هي أن تبقى مصراً على هدفك وعلى خطتك مهما قست الظروف، ولكن حركتك الإستراتيجية لابد أن تنطلق من خلال الحكمة على أساس دراسة الظروف الموضوعية، لأنك إذا كنت انفعالياً فقد تسقط الإستراتيجية بطريقة التكتيك. وانطلاقاً من كل ذلك فنحن نرى أن عناوين ثورة الإمام الحسين(ع) مازالت قائمة، لقد قال: «ألا وإنّ الدعي ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة وهيهات منا الذلّة»، وقال: «لا والله لا أعطيكم بيدي، إعطاء الذليل ولا أقّر إقرار العبيد».
فالأمر يختلف حسب اختلاف الظروف.
تكليف الحسين(ع):
*كيف تواجهون المقولة القائلة بأن لثورة الحسين(ع) أحكاماً خاصة به وعلى ذلك لا يمكن أن نقيس واقعنا على ثورته؟
ـ هؤلاء الناس يمكن أن يقولوا أيضاً أن حركة النبي(ص) حركة خاصة به فللنبي(ص) تكاليفه وللأمة تكاليفها، وعليه لا يكون النبي قدوة لنا لأن له تكليفاً خاصاً، ولا يكون للأمة قدوة لأن لها تكاليفها، كيف يصحّ مثل هذا؟ إن هذا هو كلام إنسان يريد أن يخرج الإسلام من كل حركة ثورية ويريد أن يخرج الإسلام من كل موقف تحدّ، ولقد كان النبي(ص) مسلماً قبل المسلمين، {وأمرت لأن أكون أول المسلمين}(الزمر:12)، وهو {الذي جاء بالصدق صدّق به}(الزمر:22)، تطبّق عليه أحكام الإسلام كما تطبق على كل مسلم، وهو يتحرك من خلال الإسلام، فليس للنبي(ص) تكاليف خاصة به من هذه الجهة، نعم، يوجد هناك أشياء تذكر كخصائص للنبي(ص) كوجوب صلاة الليل وما إلى ذلك، لكن المسألة في المجال العام كما قلنا، فإن النبي(ص) كما قال تعالى {قل إني أخاف إن عصيتُ ربي عذابَ يومٍ عظيم}(الأنعام:15)، {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركتَ ليحبطن عملك}(الزمر:65).
والأئمة(ع) أيضاً إنطلقوا على أساس «من كان ولياً لله فهو لنا ولي ومن كان عدواً الله فهو لنا عدو»، ولقد جاء أحدهم إلى الإمام الصادق(ع) فقال له: روي عنك أنك قلت إذا عرفت «يعني إذا واليت أهل البيت» فافعل ما شئت، فقال: هل قلتها؟، قال، نعم، قال: وإن زنا وإن سرق؟ أي هل يحق للشيعي والموالي لأهل البيت(ع) أن يزني أو يسرق بمجرد أنه موالٍ لأهل البيت بحيث تكون له الحرية في ترك كل الواجبات وفعل كل المحرمات، كمثل بعض الناس الذين يقولون (حب علي حسنة لا تضّر معها سيئة)، قال الإمام(ع): «ما أنصفتمونا أن كلّفنا بالعمل ووضع عنكم»، أي أننا أئمتكم كلفنا الله بالصلاة وبالصوم وبالحج وحرّم علينا الخمر والزنا والسرقة وكل الأشياء المحرّمة، فهل لمجرد أنكم تحبوننا يعفيكم الله من كل شيء وتأخذون حريتكم في كل شيء؟! وفي نفس المعنى جاء عن الإمام الباقر(ع): «أفيكفي الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون فعالاً، فرسول الله خير من علي، أفيكفي الرجل أن يقول أحب رسول الله ثم لا يعمل بسنته»؟!.
فالإمام الحسين(ع) لم ينطلق ليقول أنا ثائر من خلال سرّ لا أبيّنه لكم. ماذا قال الإمام الحسين(ع)، كيف أعطى شرعية لثورته؟
إن البيان الأول المروي عن الإمام الحسين «أيها الناس إن رسول الله قال من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباده بالإثم والعدوان فلم يغير «أو لم يغر» ما عليه بقول ولا بفعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، واستأثروا بالفيء وعطلوا الحدود وأنا أحقّ من غيّر» فالحسين اقتبس شرعيته من خلال هذا البيان واستدّل به على شرعية حركته باعتبارها حركة تغييرية للواقع الفاسد، وقد أخذها من العناوين الكبرى للحركة الإسلامية ومنها الإصلاح في الواقع الإسلامي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»، لقد أعطى لحركته عنوان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
ولذلك فنحن نقول أن الحسين(ع) أعطى شرعية إسلامية لمواجهة الظلم والاستكبار على أساس النهي عن المنكر بشرطها وشروطها.
فالذين يقولون إن الحسين(ع) له تكليف خاص والأئمة لهم تكليف خاص ويخرجون ثورته عن نهجها الإسلامي العام فإنهم لا ينطلقون من وعي الخطاب الحسيني في ثورته فالحسين مسلم، وهو إمام الإسلام، فلا يتحرك إلا من خلال الإسلام والأئمة لا يتحركون إلا من خلال الإسلام، وكل إمام له وضع معيّن منطلق في حركته وفي أسلوبه وفي كل شيء من خلال واجبه الذي يتحدد من خلال الظروف الموضوعية المحيطة به.
ولذلك فإن قضيتنا هي أن نقتدي بالنبي(ص): {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب:21). وأن نقتدي بأهل البيت(ع) وأن نسير كما ساروا وننطلق كما انطلقوا من خلال منطلقاتهم التي بيّنوها وشرحوها لأنهم يمثلون التجسيد الحي للإسلام الفكري والحركي في الخط المستقيم والقاعدة الثابتة.
شعارات الحسين(ع):
*مع علم الإمام الحسين(ع) باستشهاده كيف يرفع شعارات لا يمكن العمل بها؟
ـ أية شعارات تنكر لها أو لم يعمل بها؟ إنه قال «خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» أن تكون هذه الدماء التي تسيل منه ومن أهل بيته وأصحابه وسائل الإصلاح؟! وأي نهي عن المنكر أعظم من هذا الموقف الذي وقفه في مواجهة الأعداء؟!
إنه قال: «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد»، وقد وقف ورفض الذل ورفض أن ينـزل على حكم بني أمية وهكذا عندما قال «ألا وإنّ الدعي ابن الدّعي قد ركز بين إثنتين بين السلّة والذلة وهيهات منّا الذلة»، وهكذا رفض الذلة؟
فأيّ شعار أطلقه الحسين(ع) ولم يعمل به ولم يتمكن من العمل به؟ فلقد أطلق شعار التغيير (وأنا أحق من غيّر) وقد غير ولكن بشكل غير مباشر، ولذلك فكل شعارات الحسين(ع) عاشها الحسين(ع) في كلماته وعاشها في موقفه وكانت قمة تعاطيه مع شعاراته أنه عاشها في دمائه وشهادته (سلام الله عليه) ولعل أعظم دليل على انسجام الحسين «عليه السلام» مع شعاراته التي أطلقها في كربلاء هو شهادته التي لا مثيل لها.
دروس كربلاء الجديدة:
*ماذا نستطيع أن نأخذ من حديث كربلاء في هذا العصر ولاسيما أن إسرائيل تهجم على المسلمين؟
ـ تحدثنا عن ذلك، ولكن نأخذ من هذه «الكربلاء الجديدة» أن نختزن في داخل نفوسنا بأن أمريكا هي عدوة العرب والمسلمين، وأنها هي التي أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل وقالت لليهود خذوا حريتكم في أن تقتلوا أطفالهم ونساءهم وشيوخهم. وربّما قال بعض الناس في هذا الواقع العربي «اشهدوا لي عند الأمير» بأني أول من رمى من قمّة «شرم الشيخ» وفي غيرها وما إلى ذلك. ثم أن نعلّم أجيالنا وأطفالنا أن لا سلام بين المسلمين وبين اليهود لأن الله قال: {لتجدّن أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود}(المائدة:85). نحن نقرأ القرآن الآن في صفات اليهود، وفي واقع اليهود في فلسطين وفي لبنان وفي غير ذلك. ولذلك أقول لكم اختزنوا ذلك كله كما اختزنتم في كربلاء كلّ الثورة على الظلم وكل إحساس ضد الذين يصنعون المأساة.
ثورة الحسين لكل المسلمين:
*ثورة الحسين(ع) لكل الناس وليس للشيعة فقط بل لكل المسلمين ولكن الكثيرين يريدون الإساءة إلى ثورة الحسين بأن يحصروها في جو من الحزن والروايات الضعيفة، فما الحل؟
ـ تحدثنا عن ذلك بالقول بأن يكون الخطيب مثقفاً بحيث يختار الروايات الصحيحة ولا ينفرد فقط من أجل الأفكار والأساليب التي تستدرُّ الدموع فقط بل من أجل التوعية التي يراد من خلالها رفع مستوى الناس في كل زمان ومكان في مواجهة التحديات الكبرى.
الذبح العظيم:
*يقول بعض الأخوة {وفديناه بذبح عظيم}(الصافات:107). هو الإمام الحسين(ع)؟
ـ ما المناسبة؟ هل أن الله فدى إسماعيل وقال له سنذبح الحسين بدلاً عنك!! إن الذبح العظيم هو الكبش الذي ذبحه إبراهيم كرمز للفداء عن اسماعيل، كما هي الأضحية التي يقدمها الحجاج في يوم الأضحى قرباناً لله.
الغلبة والحكم:
*هناك قول يرى أن إحدى طرق تعيين الخليفة هي بتغلّبه على من سواه فيجب على الأمة أن تخضع له، فما رأيكم بثورة الحسين بن علي(ع) على (يزيد) إذ يقال بأنه غُلِبَ فيها؟
ـ لو كانت الغلبة هي التي تعطي الشرعية فيقتضي ذلك أن الأنبياء بأجمعهم لا شرعية لهم، هذا كلام ليس له أساس، فالحق هو الشرعية حتى لو كان الحق مغلوباً، وكان الباطل غالباً، ولقد قالها (عمّار بن ياسر) عندما كان جيش علي يخسر المعركة في بعض جولاته في (صفين) قال: »والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أننا على الحق وأنهم على الباطل».
فالهزيمة لا تعني أن المهزوم على باطل، كما أن الانتصار لا يعني أن المنتصر على حق. لأن الله جعل قضية الانتصار والهزيمة قضية خاضعة للوسائل المادية بين الناس {وتلك الأيام نداولها بين الناس}(آل عمران:140).
لماذا طلق «زهير» زوجته؟
*يقول أرباب المقاتل بأن "زهير ابن القين" بعدما تحول إلى معسكر الحسين(ع) قام بتطليق زوجته، فلماذا؟
ـ لعله أراد أن يعطيها الحرية لتتزوج من تشاء فلا يحبسها أو يجعلها تعيش النتائج السلبية التي كان يريد أن يعيشها.