زينب عالمة:
*ماذا يعني الإمام (زين العابدين)(ع) عندما قال للسيدة زينب(ع) «أنت فاهمة غير مفهّمة وعالمة غير معلّمة»؟
ـ من الطبيعي أن زينب(ع) لم تدخل المدرسة بالمعنى التقليدي للمدرسة لكنّها عاشت مع أمها الكثير من أجواء المدرسة الإسلامية الأولى التي كانت تتنفسها وكانت تعيشها، وكانت تتعلم منها، وعاشت في مدرسة علي (عليه السلام) وفي مدرسة الحسن والحسين(ع) كانت عالمة لم تتعلم بالطريقة التقليدية، ولكن كان بيتها موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم والوحي والتنـزيل، وما من مدرسة أعظم من هذه المدرسة. وبهذا أخذت الفهم من خلال كل ما استوحته وما سألت عنه. وقد لا تكون معلّمة من قبل الآخرين ولكن معلمة من جدّها وأمّها وأبيها وأخويها، وأي أساتذة في العالم أعظم من هؤلاء.
إن علياً(ع) كان يعتز أنّه تلميذ رسول الله(ص) وأنّ كل ما جاءه من علم كان من رسول الله(ص) »علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب» وقال(ص) «أنا مدينة العلم وعلي بابها» فإذا كان علي باب مدينة العلم فهل يغلق علي أبواب هذه المدينة على زينب؟! وهكذا كان الحسن والحسين الوارثين لعلم علي مضموناً وافقاً واسعاً وعمقاً وامتداداً وشمولية ورسالة وحركة حياة في خط الرسالة.
خروج زينب إلى المعركة:
*البعض يقول أن السيدة زينب قد خرجت إلى ساحة المعركة والبعض ينفي ذلك، ولكني أتساءل: لماذا أخرجها الإمام الحسين معه؟
ـ لماذا هذا الجدل؟ هل يحرم على المرأة أن تخرج إلى المعركة؟ لقد كان النبي(ص) يخرج النساء معه ليداوين الجرحى ويسقين العطشى وهذا أمر ثابت في أحاديثنا الصحيحة كما هو ثابت في أحاديث أهل السنة، فالمرأة لها دور، نعم لا يجب عليها أن تقاتل، ولكن لو حصل نفير عام وكان هناك هجوم كامل فعند ذاك يجب القتال حتى على الأطفال وفي الحالات العامة فإن المرأة تشترك في الجهاد بحجم الجهاد الذي يمكن أن تقوم به المرأة، وفي حالات أخرى يمكن للمرأة إذا دخلت المعركة إرباك المعركة وتغيير ميزانها. لذلك فالمرأة تستطيع أن تخدم في المعركة كممرضة وكمساعدة لسقي العطشى وإطعام المجاهدين وغير ذلك من الأعمال الملائمة لها لأن الرجال يتفرغون لأعمالهم الجهادية.
إن الإسلام لم يمنع المرأة من أن تشارك في الواقع الاجتماعي، صحيح أنها زوجة وأم لكن زوجيتها وأمومتها لا تمنعها من أن تشارك في مثل هذه الأعمال الجليلة تماماً كما هو الأب فالأبوّة لا تضيق الحياة الزوجية بل لا تمنع الرجل من أداء التزاماته الجهادية. نعم هناك التزامات شرعية للمرأة في خط الحجاب، فإذا التزمت بالتزامات الشريعة وانطلقت من خلال أخلاقياتها فما هو الضير في ذلك.
إن الأخلاقية، أيها الأحبة، كما هي شرط في عمل المرأة هي شرط كذلك في عمل الرجل فالله يريد للمرأة أن تكون عفيفة في جميع أحوالها، علماً أن العفة للرجل وللمرأة على حد سواء والانحراف عند المرأة هو الانحراف عند الرجل {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}(النور:24). أما عندنا في الشرق فإن المرأة إذا أخطأت فإنها تقتل وأما الرجل فيوكلون له محامياً يدافع عنه.
الروايات التي تسيء لزينب:
*ينسب إليها(ع) نقاط ضعف وتخاذل كضربها رأسها بالمحمل وإدمائها جبهتها وقد اتخذ هذا الموقف المزعوم أساساً لجواز واستحباب ضرب الرأس، هل لديكم تحقيق تاريخي لهذا الإدعاء؟ وهل يصح انتزاعه لإباحة واستحباب ضرب الرؤوس وإدمائها؟
ـ المفارقة أن الذين يقرأون هذا مع كل محبتنا لهم يقرأون أيضاً أن زينب(ع) وقفت على جسد الحسين وقالت «أتينا بالنياق مهزولة لا موطئة ولا مرحولة» فأين المحمل هنا «لا موطئة ولا مرحولة» أي على نياق بدون محامل؟! إننا لا نستطيع أن نوازن بين موقف الضعف الذي ينسب إليها وبين موقفها في الكوفة موقف القوة أمام (ابن زياد) وموقف القوة أمام أهل الكوفة فليست زينب(ع) التي يشمت بها الأعداء، ولو لم تعمل بهذه الطريقة فإنها كانت ستثير الإشفاق كونها مسكينة وثاكلة ومخذولة.
وعندما ندرس هذه القضية نجد أنها لم ترد بسند موثوق ويكفي دلالة على ضعفها في مضمونها الإيحائي أنها لا تنسجم مع طبيعة موقف السيدة زينب ووصية الحسين(ع) «لا تخمشي عليّ وجهاً ولا تشقّي عليّ جيباً»، ولذلك فليس القضية مجرد استبعاد لصحة الرواية ولكن بالمقارنة من خلال موقع ومسؤولية زينب(ع) ووصية الحسين لزينب ألاّ تشمت به الأعداء، الأمر الذي يجعلها تقف موقفاً غير هذا الذي تصفه الرواية.
ونقطة ثانية.. فلو صحّ سند الرواية وهو غير صحيح فإنها كانت في موقف حقيقي وهي مثقلة بكل هذا الكم من الأحزان تقاد من مكان إلى مكان، ثم بعد ذلك السبي المشين وهي ترى رأس الإمام الحسين(ع) مرفوعاً على الرمح، فمن الطبيعي أن كل ذلك قد يبرّر الموقف، لأنه موقف قد يخرج به الإنسان عن الحزن الهادىء إلى الحزن العنيف. أمّا اننا نريد أن نضرب رؤوسنا بعقل بارد حتى يصير الكفن مغطّىً بالدم، وحتى تصرخ النساء، فهذا ليس حزناً.
لذلك تحولت المسألة إلى تقاليد، ولقد قلنا أن هذه التقاليد كان لها في وقت من الأوقات دور. أمّا الآن وأستطيع أن أتحمّل المسؤولية. إذ أقول إن هذه العادات أصبحت سلبية مائة بالمائة، إذ ليس فيها إيجابية ولا واحد بالمائة، بل أصبحت صورة للتخلف تشوّه صورة كربلاء وتشوه صورة الناس، فلماذا نضرب رؤوسنا بالسيف و (السلاسل)، هل هي مواساة للحسين؟ هذه ليست مواساة، إن المواساة هو أن تجرح في الطريق الذي جُرح فيه الحسين، وأن تجلد في الموقع الذي جلد فيه، أتعرف من يواسي الحسين (عليه السلام)؟ إنهم الذين في أعالي الجبال في بقاع (جبل عامل) هؤلاء يواسون الحسين بالجراحات وفي موقع الحق، والذين يواسون الحسين هم المجاهدون في الأهوار في العراق. والذين يواسون الحسين هم الأطفال والنساء الذين في سجون الطاغية وسجون إسرائيل. إن زينب(ع) جلدت بسياط (ابن زياد) وهي تتحدى الظلم والحسين جرح وهو يقاوم جراحاته في سبيل الله. فهل تريد أن تواسي الحسين وأنت غير مستعد أن تجاهد في سبيل الله؟ هل تواسيه ولست مستعداً أن تتبرع بأي شيء للمجاهدين؟ ولقد قال الشاعر في هذا المعنى:
إذا اشتبكت دمو في خدودٍ تبيّن من بكى ممن تباكى
فالمواساة الحقيقية هي المواساة التي تنطلق من العقل والقلب والموقف.
قبر السيدة زينب:
*قيل أن هناك خلافاً حول قبر السيدة زينب فما رأيكم، وأين هو الأصح؟
ـ أتمنى أن يختلف الناس حول قبرِ السيدة زينب ليكون لنا آلاف المراقد، لأنّ القبر ليس مجرد مكان يدفن فيه الإنسان ولكنه رمز يذكرنا بالإنسان، وليست مشكلتنا أين دفنت زينب(ع) ولكن مشكلتنا أين تعيش السيدة زينب فينا؟ ليكن قبرها في الشام، وليكن قبرها في مصر، وليكن قبرها في المدينة، إننا نستوحيها ولا نستوحي قبرها. وإن كنا نجعل قبرها مناسبة لأن نتذكرها. أو نلتقي فيه لذلك لا أجد هناك أية مصلحة في أن نعقّد هذا الخلاف ونتجادل أين قبرها؟ لأنه أمر ليست فيه أية فائدة إن لم تكن فيه سلبيات. إن قبر السيدة زينب(ع) في قلب كل محب لها وقلب كل موالٍ لها وعندما تدفن في قلوبنا فإنها تحيا في قلوبنا.
الزيارة الزينبية:
*ما رأيكم في نص الزيارة الزينبية، هل هي صادرة عن معصوم؟
ـ إنها من صنع بعض الفضلاء وليست من صنع معصوم.